والكراهية لها، وبقيَت إلى الساعة التي أكتب فيها هذه الكلمات.
وقعدت يائساً لا أعلم لماذا يحجزونني ويخنقونني، وقد كنت أعيش كما أريد لا تُرَدّ لي رغبة ولا يقف دون إنفاذ مطالبي شيء، وكنت أربّى تربية الدلال لأن جدّي رُزق عشرة من الولد فذهبوا جميعاً ولم يبقَ منهم إلاّ أبي، وكنت ولده البكر، فدلّلوني هذا الدلال الرخو المائع الذي بلغ من أمره أنهم أقاموا حفلة في البيت عندما كسرتُ أول إناء:"لقد كبر الصبيّ ولله الحمد وصار يستطيع أن يكسر الأواني"! وإنه كان عندنا مرة حفلة عائلية، فخطر في بالي أن ألعب بالزائرات فأُقيم هذه على قدم واحدة وأرفع ذراعَي هذه، فكان لي ما أردت واضطُرّت زائراتنا الكريمات إلى الخضوع لهذه الرغبات، أي هذه الحماقات!
فكيف انتقلت منها مرة واحدة إلى حياة الكُتّاب السمجة الثقيلة؟ نقلة لم يستطع عقلي الصغير أن يفهم لها تأويلاً، فقعدتُ أنظر إلى الباب كما ينظر القطّ إلى الفريسة لينقضّ عليها، فلما رأيت جدّي ماراً في الطريق خارجاً من المسجد وجدت الفرصة قد جاءت، فقفزتُ قفزة واحدة كالقطّ وتبعته حافياً، وكان ذلك نتيجة لِما كنت فيه وما صرت عليه، ليس فيه شيء من قصد الإجرام ولا من روح الشرّ وليس بالإمكان أن يكون الطفل مجرماً، ولكن شيخي عدّها جريمة، وأطلق ورائي صبيان المكتب كما يُطلق الصيّادُ كلابَه وراء الأرنب المسكين، فازددت منهم فزعاً وللمدرسة بغضاً وأطلقت ساقَيّ الصغيرتين للريح، ولكني اضطربت فلم أدرِ أيّ طريق آخذ بعد اختفاء جدّي عن عيني، فسقطتُ وسال الدم من أنفي، وأدركني الأولاد فلم يرحموني