ولم يمسحوا عني دمي، ولكنهم اقتادوني إلى شيخهم كما يُقتاد المحكوم عليه إلى خشبة المشنقة.
* * *
يقول الذين يمدحون هذه الكتاتيب أنها تحفّظ القرآن، وهذا صحيح، ولكنْ من أين لهم أنّ القرآن لا يُحفَّظ إلاّ بهذا الأسلوب؟ ألا يمكن أن يحفظه الأولاد وأن يجوّدوه وأن يُحسِنوا تلاوته من غير عصا شيخ الكتّاب؟ أسألكم والمثَل قائم أمامكم: هذه مدارس تحفيظ القرآن التي انتشرت في كل مدينة وكل قرية في المملكة، جزى الله مَن فكّر فيها ومَن أيّدها ومن أعانها ومن يقوم عليها خير الجزاء.
ألا تسمعون وترون الولد الآن يحفظ الجزء الكامل من القرآن ويتلوه مع التجويد والأحكام قبل أن يُتقِن تعلّم الكلام، ويحفظ الأجزاء الثلاثة أو الأربعة أو القرآن كله أحياناً وهو ابن أحد عشر عاماً؟ أين هذه المدارس من تلك الكتاتيب؟ تلك كنا نُساق إليها باكين وهذه يتسابق الأطفال إليها ضاحكين، تلك كانوا يُدفَعون إليها بالعصا وهذه يُدعَون إليها بالهدايا والرغائب.
يمكن إذن أن نصل إلى الثمرة من الجادة السهلة النظيفة، فلماذا تريدون أن نعود إلى الطريق الوعر الوسخ المليء بالأشواك وبالأوحال؟
أما المدارس الأهلية التي كنت فيها فقد كان فيها خير كثير، علّمتنا الدينَ ونشّأتنا على التقوى، ولكن الثمن كان غالياً