اليد الواحدة. وأنّى لأمثالنا ركوب السيارات؟ وعربات الخيل كانت غالية علينا، ثم إنها لا تمشي إلاّ في الطرق العِراض ونحن نسلك إلى المدرسة أزقّة وحارات، والترام له خطوط محدودة لا يصل إلاّ إلى أحياء السفح، سفح قاسيون وإلى الميدان، فكنا نمشي على أقدامنا.
هذه كانت حياتنا، وكنا صابرين عليها راضين بها، ما كان عندنا ما يشغلنا عن الدراسة وعن الجِدّ وعن العمل النافع إلاّ ألوان قليلة من اللهو الحلال الذي لا مضرّة فيه ولا خشية من عواقبه. ما كان عندنا ولا كان في الدنيا كلها إذاعات نستمع إليها، ولا رائيات (تلفزيونات) نعكف الساعات الطويلة عليها، ولا مجلات مسلّية (أو مُفسِدة) نقرؤها. وأكرر القول إننا كنا مع هذا كله راضين، فما لأبناء هذه الأيام لا يقدّرون ما أنعم الله به عليهم وأوصله إليهم: السيارات تحملهم من باب الدار إلى باب المدرسة، والدراسة لا تجاوز نصف النهار، والعطلة قد تأخذ ربع السنة أو أكثر (وقد امتدت في العام الماضي أربعة أشهر)، وأساليب التدريس اليوم لانت شدّتها وسَهُلت وعورتها، والضرب ممنوع والعصا قد أُلغيت.
على أن الناس لم يكونوا على أيامنا يحتملون هذه العطلة، فكان تلاميذ المدارس الأميرية يأخذهم آباؤهم إلى المدارس الأهلية التي لا عطلة فيها ليقضوا فيها أيام الصيف، فكانت تمتلئ إذا فرغت الأخرى. وكان التجّار من أهل الشام يصحبون أولادهم معهم إلى متاجرهم بعد خروجهم من هذه المدارس التي أدخلوهم في الصيف إليها، يعلّمونهم من الصغر كيف يبيعون ويشترون وكيف