للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعني مال الله الذي جعله تحت أيدي الحكّام. والعالِم لا يذلّ إلاّ إذا مدّ يده بطلب أو تشوّف قلبه إليه، فإما أن يكون العالِم غنياً بماله، وإما أن يكون غنياً بالقناعة بما قسم الله له من رزق والعزّة بما أكرمه الله به من إيمان.

وكان عالي الصوت شديداً في الجدال، خطته الهجوم أبداً حتى في الدفاع، ولكنه كان رجّاعاً إذا بدا له الحق يُقِرّ به ويدع غضبه إليه. كان من أصفى الناس قلباً، ينسى إساءة الناس إليه كما ينسى إحسانه إليهم، وهذه -لَعَمري- ذروة النبل. صحبته خمسين سنة كما صحبت شيخنا الشيخ بهجة البيطار، فكنت أحسّ معهما كأنّي أمام والد أحبُّه حب الولد لأبيه وأنطلقُ معه على سجيّتي. وكنت أجد هذا الحس مع الشيخ محمد نصيف في جدة، وسأعود إلى الحديث عنهما إن شاء الله، ولكن ذكّرني بهما مشابه من صلتنا بهذا الرجل الذي كنّا نجيئه متى شئنا، فنجد بابه ونجد قلبه مفتوحَين لنا، إن جعنا أكلنا، وإن نعسنا نمنا، وإن شغلنا أو مللنا انصرفنا. وكذلك كانت الحال مع الشيخ بهجة والشيخ نصيف. فرحم الله هذا الرجل ورحمهما، ورحم أمثال أولئك الناس. لم نجد والله بعدهم مثلهم ولم يسدّ أحدٌ مسدّهم، فاللهُمّ ارحمهم وأحسن جزاءهم.

أمّا هذا الرجل فهو الشيخ عبد القادر العاني، الذي تُوفّي في دمشق من أقل من سنتين عن أكثر من تسعين عاماً.

أخذني إليهم وما سنّي من سنّهم ولا تفكيري من تفكيرهم، فأنا شابّ وهم كهول، وأكثرهم من التجار. وأنا -كما عرفتم من سالف حديثي- أجهلُ خلقِ الله بالتجارة وأبعدهم عنها، ولكني

<<  <  ج: ص:  >  >>