المال ولا حق النشر، وإنما كانت حرصاً منه (أحسن الله إليه) على إخراجي من المَحبس الذي حبست فيه نفسي، وظناً منه أنه سيأتي «بما عَجَزَتْ عنه الأوائِلُ»، فيعيد الشباب إلى ذهن قد دبّ إليه المَشيب، يريد أن أصف عرس الربيع وأنا في مأتم الشتاء.
إن إخواني في المملكة العربية السعودية لا يعرفون ما الربيع، ولو كانوا في الشام ورأوا الغوطة حين تشم روائح آذار، فتنبثق فيه الزهور من الحطب حتى تصير الشجرة بيضاء كالألماس (١)، ثم تتناثر الزهور وينبت مكانها الورق فتغدو خضراء كالزبرجد، ثم تحبل الشجرة فتلد الثمار حتى تميل إلى الأغصان.
ولكن ما لي أترك سماء الواقع وأنزل إلى حضيض التشابيه؟ ما لي وللألماس والزبرجد؟ تلك حجارة ميتة وأنا أصف الزهر الحيّ. إن أشجار الغوطة في الربيع كالعرائس في ليالي الزفاف. ولكن لا، أتريدون أن أشبّه العروس بتمثال الشمع في المتحف، أو في مخازن الثياب عند عارضي الأزياء كما كان يصنع ابن المعتز؟
لست في سوق الصاغة، ولكني في معرض الأذواق.
* * *
وينتهي الصيف، ويأتي الخريف فيصفرّ الورق ويسّاقط، وترجع الشجرة حطباً، وتصير أيام الربيع ذكرى. ولكن الشجرة يتجدّد ربيعها. إن شتاءها يلد ربيعاً جديداً، وربيع حياتي الذي
(١) أصلها «ألماس» وهمزتها منها لا كما قال صاحب القاموس.