للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي نعرفها فهي الديموقراطية العمياء، الحقّ فيها مع مَن هم أكثر عدداً لا مع من هم أقوم سبيلاً وأقوى دليلاً. تُهدَر فيها الكفايات وتُعطّل المزايا، ويستوي عند «التصويت» القاضي واللصّ، وإمام المسجد وسارق الأحذية، وأستاذ الجامعة وناطور الماخور؛ كل منهم له صوت، ولا يَرْجَح في الميزان صوت على صوت.

فإن رأى الطبيب الجرّاح أن المريض محتاج إلى عملية عاجلة إن تأخّرَت مات، ورأت «الأكثرية» من الموظفين الإداريين في المستشفى والممرّضين والخدم رفض العملية، كان الحقّ في النظام البرلماني معهم والرأي لهم، ولو مات المريض! وإن قرّر ربان الطيارة الهبوط هبوطاً اضطرارياً لاختلال المحرّك أو نفاد الوقود أو سوء حال الجوّ، ورأت أكثرية الركاب الاستمرار في الطيران، كان الحق معهم والرأي رأيهم، ولو سقطت الطيارة وتحطمت.

هذا هو النظام البرلماني؛ يضيع فيه علم المجرّب وخبرة الخبير، ويستوي فيه الذين يعلمون والذين لا يعلمون.

فإن انضمّ إليه ما ابتُدع في بعض البلدان من تخصيص نصيب معيّن من مقاعد المجلس للعُمّال والفلاّحين، ولو كان في المرشَّحين مَن هو أحقّ بالنيابة وأقدر على حمل تبعاتها والنهوض بأعبائها ... كان ذلك هو النزول إلى الدرك الأسفل من «نار» الإفساد. لا أقول هذا كرهاً بالعمال والفلاحين. لا؛ وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، فالعامل والفلاح هما يدا الأمة إذا كان العلماء هم الرأس الذي يفكّر وكان الأدباء هم القلب الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>