يحسّ، ولا يصلح جسد بُترَت يداه ولو كبر عقله واتسع قلبه. بل لأن كل حكيم منصف يحدّد الغاية ثم يبتغي إليها الوسيلة، فإنْ مرض ولده لم يأخذه إلى المحامي ولو كان أكبر محامي البلد، بل يأخذه إلى أقرب طبيب، وإن كانت له قضية في المحكمة لم يستشر الطبيب ولو كان أحذق الأطباء بل يراجع المحامي، وإن انخرق دولاب السيارة لم يُفِدْه طبيب ولا محامٍ، لم ينفعه إلاّ «عامل البنشر»، أي مرقّع إطارات الدواليب.
فما الغاية من افتتاح المجلس النيابي وما عمل النائب فيه؟ إن عمله وضع القوانين على ألاّ تخالف دستور البلاد، لا سيما إذا كان منزَّلاً من السماء، فهل يقدر العامل والفلاح على وضع القوانين أو مناقشة مشروعاتها؟ إن الحكمة هي أن تضع الشيء في موضعه والرجل في مكانه، وإلا كنت كمن يلبس بنطاله بيديه ويدخل كُمَّي ردائه في رجلَيه ويعلّق حذاءه في عنقه ويمشي حافياً!
وإن من أمارات الساعة وعلامات اقتراب القيامة أن يوسَّد الأمر إلى غير أهله، وأن يكلَّف الرجل غير العمل الذي أتقنه وأن يوضع في غير الموضع الذي يصلح له.
ولكنا لمّا فُتِنّا بهذه الحضارة العصرية وأخذناها بكل ما فيها، حتى ولو بان عيبه وبدا فساده، أخذنا النظام البرلماني. وكان بالإمكان تنظيم اختيار أهل الحلّ والعقد ووضع القواعد والضوابط لهذا الاختيار، فلا يبقى فوضى كما هو الآن، ولا نحمل معايب هذه الانتخابات. وليت هذه الانتخابات جرت عندنا كما تجري عندهم! ما سمعنا بانتخابات تُزوَّر في إنكلترا