للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو فرنسا فتُرمى صناديقها وتوضع في مكانها صناديق معَدّة من قبلُ، فيها أوراق ما سطرها المنتخبون ولكن أملاها الحاكمون حتى صارت نتيجتها معروفة قبل أن تُجرى، ونسبة الأصوات التي نالها الناجحون حُدّدت قبل أن تكون الانتخابات، لا سيما في «الاستفتاء» الشعبي العامّ. لقد أقبل ديغول عليه وأكثر اللجوء إليه فسقط فيه، وهو الذي أنهض فرنسا من سقطتها وردّ إليها قوتها ومنزلتها، كما سقط تشرشل الذي صنع لإنكلترا ما لم يصنعه لها إلا قليل في تاريخها الطويل. وما جرى استفتاء عندنا إلا كانت نتيجته (المهيّأة من قبل) تسعمئة وتسعة وتسعين وتسعة أعشار من كل ألف من الأصوات!

المسرحيات الهزلية يدَعون فيها شيئاً من «المجهول» ليرغب المشاهدون في علمه، يُبقُون فيها «عقدة» يتشوّقون إلى حلّها؛ هذا ما يقتضيه التأليف المسرحي، وهذه مهازل (كوميديات) جانبت قواعد التأليف كما جانبت طريق الحقّ، فلم تبقَ فيها «عقدة» لأنها هي ذاتها عقدة العُقَد. كلّ خديعة فيها خادع ومخدوع، والخادع هنا معروف فمن المخدوع؟ الشعب؟ ما في الشعب مَن لا يعرف الحقيقة ويسخر منها، ويتّخذ من حديثها ما يملأ بذكره مجالسَه ويضع لها من النكات ما يسلّي به نفسه. فلَمْ يُخدَع الشعب. فمَن إذن؟ الأجانب؟ إن أكثرهم له من «استخباراته» ومن وسائل إعلامه ما يدرك به الحقيقة كلها. ولكنهم يمشون مع مصالحهم، هي دينهم، فربما أظهروا أنهم صدّقوها لأن مصلحتهم في أن يظهروا أنهم قد صدّقوها. فهل يخدعون الله، وهو المطّلع على السرائر والبواطن العالِم بالظواهر والخوافي؟

<<  <  ج: ص:  >  >>