للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليفرّقوا به جمعنا ويُذهِبوا به ريحنا. وجاء الدستور في مئة وخمس عشرة مادة، واعترض الفرنسيون ستّ مواد منها وأصروا على طلب حذفها، هي التي نسيَت وجودهم في بلادنا وقيامهم على رؤوسنا وتصرّفهم بمقاليد أمورنا، وأصرّت الجمعية التأسيسية عليها. واشتدّ النضال، وتحرّك الشعب وما كان قد سكن، وكانت المظاهرات وكان الصدام مع قُوى الأمن التي كانت في الحقيقة قوى لإذهاب الأمن ولبثّ الذعر. وكان العهد بالثورة قريباً فخافوا أن تعود فتشتعل نارها، فتركوا الدستور كما هو ولكنهم أضافوا إليه مادة تقيّد يديه ورِجليه، هي «المادة ١١٦» التي صارت مثلاً مضروباً وكُتِبت عنها مقالات ونُظمت قصائد، ولشوقي فيها قول لم أعُد أحفظ منه إلا شطر بيت وهو «يَبقى الكتابُ وليس يبقى المُلحَقُ»، يعني بالملحَق هذه المادة وبالكتاب الدستور.

كان ذلك سنة ١٩٢٨، وأنا أتكلم الآن عن انتخابات سنة ١٩٣١ التي كانت في اليوم العشرين من شهرها الأخير، تلك التي افتُضح تزويرها فهاج الناس عليها وهاجموا مراكزها، واتصلت مواكب المظاهرات في الاحتجاج عليها والمصادمات بين المتظاهرين وبين الجنود المسلحين. الجنود الذين يحملون البنادق وتحميهم المصفّحات والدبّابات، وما للمتظاهرين من سلاح إلا الحجارة والمفرقَعات (١)، وهي قنابل بدائية يصنعها ناس من أهل الشام، مهروا في صنعها من الخرق والبارود والحصى وأشياء يكون لها دويّ عظيم وأذى قليل. وكان أول ما يعبّر به


(١) وضع الناس لها هذا الاسم، لا أدري مَن أول من سمّاها به.

<<  <  ج: ص:  >  >>