للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد تجد في الناس من يُظهر لك من حبّه أكثر ممّا تُظهِر الأم ويُظهِر الأب، ولكن منهم من يحبك لمالك أو لجمالك أو لجاهك وصلاح حالك، فإن ساءت الحال أو ذهب الجمال أو قلّ المال أعرض عنك ولم يعُد يعرفك. أمّا الذي يحبّك لذاتك ويبقى على حبّك مهما تبدّلَت الحال بك فهو أمك وأبوك، لا تجد مثلهما حتى في الزوجات. ومن الزوجاتِ الوفيّاتُ الصالحاتُ الصابراتُ الراضيات، لا يتخلّين عن الرجل ولو مرض وذهبَت صحّته، ولو افتقر وضاع ماله، ولو سقطت منزلته في الناس فهجروه. ولكن هذا في بعض الزوجات، أما الأمهات فهو فيهن جميعاً بلا استثناء.

فمن كانت له أم أو كان له أب فقد فُتح له باب الجنّة، فمن الذي يمرّ بباب الجنّة مفتوحاً فلا يدخلها؟! إني أكتب اليوم عن موت أمي، وقد كتبت من قبل عن موت أبي، وإن كنت أتمنى أن أخسر تسعة أعشار ما أملك من مال أقتنيه وكُتُب ألّفتها، و «شهرة» نلتها ومناصب تقلّدتها، وأن تكون قد بقيت لي أمي وبقي أبي.

* * *

إني لا أزال في ذكريات سنة ١٩٣١. في هذه السنة رأيت أشدّ يوم مرّ عليّ في عمري، وهو يوم ١٤/ ٧/١٩٣١ (٢٥ صفر ١٣٥٠) الذي بقيَت مرارته في نفسي حتى جاء يوم أشد منه وأقسى هو يوم ١٧/ ٣/١٩٨١، الأول ماتت فيه أمي في مستشفى كلية الطبّ في دمشق بإهمال جرّاح أخذناها إلى عيادته، وفي الثاني قُتِلت بنتي وهي وحيدة في بيتها في آخن في ألمانيا برصاص

<<  <  ج: ص:  >  >>