للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مجرم معتدٍ اقتحم عليها بيتها، لم نعرفه فنثأر منه لكن الذي يعرفه ويعرف مَن أرسله لن يهمله.

أستطيع أن أتحدّث عن اليوم الأول لأن مرور نصف قرن جعل الجرح يندمل وإن لم يلتئم، والألم يخفّ وإن لم يذهب، والقلم يتحرك في الكتابة عنه وإن لم ينطلق. أما الثاني فلا ... لا أستطيع؛ فالجرح فيه أعمق والألم أقوى، حتى إنه ليكاد يهوّن عليّ الأول. ومَن قال لكم إن الإنسان يحب أمه وأباه مثلما تحبه أمه ويحبه أبوه فلا تصدقوه. وكيف أكتب عنها وأنا كثيراً ما أغفل عن نفسي فأوغل -من حيث لا أشعر- في سبحات الخيال، فأتوقع أن أسمع الهاتف يرنّ فيُعلِمني أن خبر موتها لم يصحّ، أو أن آخذ جرائد الصباح فأجد فيها تكذيبه؟ بل ربما توهمت أني سأكلمها كما كلمتها قبل الحادث بساعات، فلما علمتُ أنها وحدها في الدار خفت عليها فراحت تطمئنني، بنفسيتها المتفائلة دائماً ولهجتها السريعة المتحمّسة دائماً، تخبرني أنها في أمان وأنّ الباب لا يُفتَح إلا إن سمعَت صوت الطارق وعرفَت شخصه. ما ظنت أن المجرم سيُرغِم جارتها على أن تطرق هي الباب ليدخل منه هو.

بطل يحتمي بامرأة ... هذه هي بطولة المجرمين!

* * *

أعود إلى حديث أمي، أعود إلى المُرّ فراراً ممّا هو أمَرّ. أمّا حدث بنتي فما أحسب أني سأفتحه يوماً لأني لن أعيش حتى يندمل الجرح وينطلق القلم، فليبقَ المُصاب لي وحدي أتجرّع

<<  <  ج: ص:  >  >>