للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي لا أزال أستاذاً فيها ولكن لا أراه ولا أدري ما عمله، وقُتِلت بنتي فلم يبقَ قريب ولا بعيد إلا عزّاني وواساني، وما عزّى ولا واسى بزيارة ولا رسالة ولا برقية. والله لا يحب الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم، وهل في الظلم أكبر من قطع الرحم وجحود الإحسان؟

* * *

ولو أني عددت كل الذي كانت تصنع النساء لأطلت وأمللت وخرجت عن الموضوع تماماً، ولكن ذلك لم يكن «بلاش»، أي بلا شيء، بل كان لهن عليه أجر كبير يعدل -كما جاء في الحديث- جهاد الرجل وشهوده المشاهد.

كان ذلك عمل المرأة، وكان عليها فوق ذلك غسل الثياب وكيّها، وتنظيف الدار وترتيبها، وطبخ الطعام وجلي أوانيه. وكانت أمي واحدة من نساء تلك الأيام تحمل حملهن، بل لعلها من أثقلهن حملاً، لأن من النساء من لها الخادم (أي الخادمة) والطباخة (أي العشّيّة) أو لها البنات الكبيرات يساعدنها في ذلك كله، وبعض البيوت الكبار كان فيها جارية (أَمَة) مملوكة. وقد أدركت في صغري بقايا من هؤلاء الإماء، يتوالدن ويتناسلن في الرقّ من قديم الزمان، وكنّ راضيات مسرورات، وكنّ كالوالدات لنساء الدار، ربّينَهنّ صغاراً وكنّ يولينهنّ الحب فيبادلهن النساء حباً بحبّ. وكانت أمي تعمل كل شيء بنفسها، بنتها الكبرى أخذناها (كما عرفتم) فتزوجَت في مصر، والأخرى صغيرة مشغولة بمدرستها، وما كان لنا فضل مال نستأجر به من تخدم

<<  <  ج: ص:  >  >>