للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الدار كما يفعل أرباب اليسار.

الدنيا يا سادتي ليل ونهار وخريف وربيع، ولكن حياة أمي -رحمها الله- كانت كأنها ليل امتد وطال حتى لم يدرك آخرَه الصباحُ، وخريف ضاع فيه طريق الربيع فضلّ فلم يتصل بخريفه ربيع. ما أقول إنها كانت شقيّة في نفسها محرومة من كل شيء، بل أقول إنها لم تجد متعة من مُتَع العيش.

أبوها الشيخ أبو الفتح الخطيب (١) كان رابع أربعة من الإخوة لكل منهم منزلة في المجتمع وذِكْر في الناس، ولكنه كان من دونهم جميعاً ميالاً إلى الزهد منصرفاً عن شهوة الجاه والمال والسيادة، عمل أميناً للمكتبة الظاهرية من يوم أنشأها (في مدرسة الملك الظاهر بيبرس) الشيخ طاهر الجزائري وجمع فيها الكتب الموقوفة التي كانت متفرقة في المساجد معرّضة للضياع، فصارت اليوم أغنى مكتبة بكتب الحديث وغيرها من مفردات المخطوطات. وكان إذا جاء الدار بعد صلاة العشاء قال لزوجته: يا آسية (وهي بنت الجلاّد، إحدى الأسر المعروفة في الشام) هل عندكم طعام؟ فتأتيه بالطبق الذي أعدّته له، فيسأل: هل تعشّى الأولاد؟ وكان له ولد واحد هو محبّ الدين وبنتان، فتقول: نعم، فيقسم ما فيه قسمَين يضع فوق أحدهما ماءً وملحاً ويأكله ويدع الثاني.

وكان يمرّ وهو رائح إلى الدار ببياع الخُضَر، فما وجد


(١) له ترجمة في الأعلام للزركلي، ومعجم المؤلّفين لكحالة، وأعيان دمشق للشطي.

<<  <  ج: ص:  >  >>