للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنده من بضاعة كاسدة اشتراه رحمة به وحمله معه، فتصرخ فيه زوجته وتتذمّر وتتنمّر، وهي امرأة حازمة من أسرة غنيّة، فيتلقّى ذلك بالحِلم والصبر ويدعها حتى تفرغ جعبتها وتخرج كلّ ما في صدرها، حتى إذا هدأت قال لها: يا آسية، هذا جارنا وهو بياع فقير، فإن فسدَت البضاعة غرم ثمنها، ونحن أقدر على حمل الغرم منه. يا آسية، المركب الذي ليس فيه شيء لله يغرق، وهذه الدنيا فانية فاعملي شيئاً لآخرتك الباقية، وإن لم تريدي ما أحضرتُه فابعثي به لأهل الخان.

وكان في صدر الحارة خان فيه عائلات كثيرة من الفقراء لا يكادون يجدون شيئاً. فلا يزال بها حتى ترضى، يطفئ بحِلمه نار غضبها ويُذهِب بصدقه في زهده كبرياءَ نفسها وحبّها دنياها وحدها.

* * *

ومات جدي الشيخ أبو الفتح سنة ١٣١٥، وكان عمر أمي ثماني سنين وعمر أخيها محب الدين اثنتي عشرة، ولحقت به زوجته فتولت تربيتَهما أختُهما الكبرى، وكانت امرأة حازمة صارمة، وكان لها ولد في مثل سنهما هو الشيخ شريف الخطيب، فأخذتهم بالشدة، فكانت الدار بإشرافها كأنها مدرسة عسكرية، بل ربما أدار المدرسةَ العسكرية ضابطٌ ليّن العريكة قوي العاطفة، وخالتي هذه لم تكُن تعرف إلا النظام والضبط، وكانت كما يُقال في الشام «أخت الرجال».

رأت ليلة من ليالي الشتاء شبح رجل في «المَشْرَقة» (وهي

<<  <  ج: ص:  >  >>