«العين بَصيرة واليد قصيرة»، تعرف الذي تريده ولكن لا تعرف طريق الوصول إليه. فكانت تبذل من ذات نفسها ما تعجز عن بذله من مالها؛ كانت إذا جاء العيد ولم تستطع شراء الحلوى صنعت بيديها ما تقدر عليها منها.
وحلويات الشام من يوم عرفتُها طيّبة المذاق جيدة الصنعة، لكنها غالية الثمن. فلما حدّدَت الحكومة أسعارها ولم يعُد ما حدّدَته يسدّ نفقاتها استبدلوا بالسمن العربي الخالص دهناً مصنوعاً، وأدخلوا عليها من فنون الغشّ الخفيّ ما دخل كل شيء منذ عرفنا هذه الحضارة المادية. وما كنا قبل ذلك ملائكة ولا كنا جميعاً مثل أبي بكر وعمر، وكان فينا من يغشّ، ولكنه كان غشاً بدائياً يسهل كشفه فصار غشاً «حضارياً» لا يكشفه إلا الخبير، حتى لقد سمعنا أن في المصانع هناك، أو في بعضها، كيميائياً له وظيفة (١) كبيرة عمله إخفاء الغش، ولدى الحكومة كيميائي له وظيفة كبيرة لإظهار ما أخفى الأول. كل ما يصنعونه يكون بادئ الأمر متيناً ويكون صالحاً، فيضعف ويفسد، لا حباً بالفساد بل توفيراً للمال وزيادة للربح. حتى السيارات: القديمة منها التي كنت أعرفها صغيراً كانت من المعدن المتين، والجديدةُ إن ضربتَ بقبضة يدك غطاء المحرّك فيها، أثّرَت فيه ضربة يدك. وعلب الأدوية كانت من الحديد فصارت من الورق، والحقائب كانت من الجلد فصارت ... لست أدري والله ممَّ صارت، ولكنها ليست جلداً على أيّ حال.