للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذهبت أعدّ ما أعرف من طبخات نساء الشام لضاق المقام وضجر القارئ من قراءة أسماء منكرة لأطعمة أكثرها معروف، ولكنه يأخذ المنكر من أسمائها ويجهل المعروف من حقيقتها.

* * *

عاشت أمي سبع سنين بعد أبي ما لها شاغل إلا أولادها؛ تُطعِمهم هي وتُلبِسهم، وتحثّني على أن أدارسهم دروسهم وأراجع معهم كتبهم، لأنها لم تكُن متعلمة ولم تدخل المدرسة كما دخلتها عمّتي من قبلها. وقد زدتُ همّها باشتغالي بالقضية، وإذا قيل القضية فالمراد قضية الاستقلال ومحاربة الاحتلال، فكانت كلما ذهبت أخطب في اجتماع أو سمعَت أني قدت مظاهرة، أو دفعت الشباب إلى تحقيق إضراب، أو كتبت مقالة مثيرة تهاجم الحاكمين، طار قلبها شعاعاً خوفاً عليّ، ولما وُقِفْتُ (١) في إدارة الشرطة مرّة وفي مخفر الخراب مرّة جاء من أخبرها، فوضعت عليها ملاءتها وذهبت إلى ابن أختها الشيخ شريف في مدرسته، فأبى أن ينجدها وقال لها عندي درس، فشتمته وشتمت الدرس الذي يشغله عن نجدة ابنها. والشيخ شريف أخوها من الرضاع وسَنينها ورفيق طفولتها، وكان يحاول ضربي أحياناً فتهجم عليه كأنها الدجاجة يُعتدى على فراخها فتنفش ريشها وتُعلي صوتها وتهدّد بمنقارها، ولو كان المهاجم أقوى منها قوة وأمضى سلاحاً.

* * *


(١) يقال وقَفَه بلا تشديد القاف، ومنها الوقف والأوقاف التي كانت تسمى قديماً «الأحباس» كما تسمى الأوقاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>