وجاء اليوم الأسود، وكان يوم أربعاء أذكره تماماً، وكان في الثاني والعشرين من صفَر سنة ١٣٥٠. مرّ عليه ثلاث وخمسون سنة ولا تزال ذكراه ماثلة أمام عيني كأنه قد كان أمس.
عدت إلى الدار فوجدت أمي معصوبة القدم، وإذا هي تُسِرّ في أذني أن في رجلها جرحاً صغيراً من مقصّ سقط عليها. فهممت أن آتي بالطبيب فقالت: لا. لم تُرِد أن أتعب أنا بدعوة الطبيب ولم تحبّ أن تزعج إخوتي بمعرفة الخبر، وهوّنَت من أمره فرأيته هيّناً، ووضعت عليه قليلاً من صبغة اليود وأقبلت على كتابتي ولم أفكّر فيه، ولم أعلم أنه سيشغل تفكيري ويؤثّر في حياتي.
وأصبحت فأوهمتني أن الجرح قد برئ، لم أعلم إلا بعد حين أنها أمضت ليلها كله ساهرة لأن الألم لم يكن ليدعها تنام. كانت تدور في الدار يمنعها حبّها أولادَها من إيقاظهم، فهي على ألمها تتعهّدهم واحداً واحداً كأنها تودّعهم. ولم تخبرني، ولو كانت تعلم عاقبة هذا الكتمان لرحمَتني منها فأخبرتني، إذن لحاولتُ السعي لشفائها أو لتخلّصتُ -على الأقل- من هذا الندم الذي ظلّ يعتصر نفسي لأنني قصّرت في الاهتمام بها. وظللت مع إخواني نتكلم في الأدب وفي العلم وأمّي تعاني ما ليس لنا به علم ولا لها عليه صبر.
فلما امتدّ الوجع إلى اليوم الثالث واشتدّ ولم تَعُد تستطيع احتماله خبّرَتني به. وكان عندي رفيق عمري أنور العطار رحمه الله ورحمها فأشار أن آخذها إلى طبيب جراح، وكان أشهر الجرّاحين