للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى أهلها بعدما قضى الخاطف على حياتها.

وستمشي مئتَي متر فقط فتصل إلى باب الفراديس، أحد أبواب دمشق السبعة، وهو باقٍ. وستمرّ قبله بأربعة مدارس ومساجد وببقايا من السور القديم، وبِحارة بينهما لا يزال اسمها إلى الآن حارة بين السورَين. هذا باب دمشق القديمة، فاخرج منه. لقد صرت «ظاهرَ دمشق». دع هذا الشارع الجديد وعماراته العالية فإن هذا الشارع دخيل على عالَمي، وامشِ إلى الأمام ثلاثمئة متر أخرى تصل إلى العُقَيْبة، وهي حيّ الأوزاعي الذي يُنسَب إليه الإمام الذي يقوم قبره على شاطئ البحر جنوبي بيروت تغسل أقدامَه الأمواج، وكان من شهرين تُلهِب رأسَه القنابل من اليهود الذين لا يرعون حرمة منازل الأحياء ولا حرمة قبور الأموات، يحميهم ويقوّيهم بالسلاح وبالفيتو أو يمدّهم بالبشر دولة الغرب ودولة الشرق، كلتاهما معهم علينا، وإن كانت إحداهما تقدّم إليهم الرجال وتعطينا نحن جميل المَقال، والأخرى تعطيهم كل شيء ولا تعطينا شيئاً، بل تبني نصف اقتصادها على أموالنا.

بين حيّ العُقَيبة هذا وحيّ العِمارة الذي مررنا به أقلّ من نصف كيل (كيلومتر)، ولكنْ كان بينهما ما يكون بين الحارات يومئذٍ من عداءات ومعارك، أيام القبضايات والفتوّات. فلا تصدّقوا كل ما يقوله الشيوخ من أمثالي من أن أيامهم كانت خيراً كلها وأن هذه الأيام ما فيها إلا الشرور والآثام. أنا كنت أقول مثل هذا وكنت أكتبه، والحقّ أنه كان في تلك الأيام خير كثير فقدناه وكان فيها شرّ كثير تخلّصنا منه؛ فالأمن كان مفقوداً في ليالي

<<  <  ج: ص:  >  >>