للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسك وأهلك لأنك وعدت وأخلفت، فإما أن توقّع الآن قرار التعيين وآخذه معي وإما أن تنتظر قدرَك.

ولم يخرج إلاّ ومعه قرار تعيينه شرطياً. ثم تدرّج حتى صار عريفاً فرقيباً أو ما لست أدري ماذا. وأشهد أنه كان شرطياً مخلصاً لعمله قائماً به، ولكنه بقي مخلصاً لدينه ولبلده ولأهله. عمل تحت حكم الفرنسيين كما عمل آلاف الموظفين، لكنه ما والاهم ولا أعانهم على قومه ولا خالف من أجلهم أحكام دينه. لكنْ لا تظنوا أن هذه الواقعة هي القاعدة، لا، بل هي الشذوذ؛ فلم تكُن البلاد فوضى تؤخَذ فيها الوظائف بالتهديد، ولا كان هذا الرجل (أبو عجاج) مجرماً، ولا كان الوزير (شاكر بك) ضعيفاً. ولكنه أخطأ إذ وعد قبل أن يتوثّق من مقدرته على الإنجاز، وأبو عجاج وصل إلى حافة اليأس، واليائس المستميت يفعل كل شيء، فقد كان يعيش وسط مشايخ وكانوا يعرفونه باللحية العريضة والزيّ العلمي، فكيف يخرج عليهم بالوجه الحليق الأملس واللباس الإفرنجي؟ ألا يحسبونه قد فسق أو جُنّ؟ ألا يزدرونه ويَحْقِرونه؟ ألا يلحقه الصبيان يهتفون به ويسخرون منه؟ وقديماً قالوا: سَلّط مجنوناً على العقلاء يغلبْهم وسَلّط الصبيان على المجنون يغلبوه. وأبو الشّمَقْمَق استطاع بهجائه (السخيف) أن يخيف بشار بن برد الذي تجزع من هجائه الشجعان لمّا جعل هجاءه في أفواه الصبيان. ثم إن الرجل مستحق قانوناً لوظيفة الشرطي والوزير يملك منحها.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>