للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا أزال في سنة ١٩٣١، وهي في حياتي سنة حافلة بالأحداث، بالمسرّات وبالآلام. من هذه الأحداث ما هو خاصّ بي ومنها ما يُعَدّ من أحداث البلد. ممّا كان في تلك السنة الجراد، والذين يقرؤون هذه الحلقة لا يعرفون من الجراد إلا ما يدرسونه عنه في «علم الحيوان» مع ما يدرسون من «علم الحشرات»: معلومات يُودِعونها رؤوسهم إلى يوم الامتحان، فإذا جاء استخرجوا هذه الودائع فوضعوها في الأوراق، فإذا نجحوا فعل أكثرهم بها ما يفعلون بسائر الدروس، يهملونها ثم ينسونها. أما نحن فكان لكلمة الجراد عندنا معنى آخر، فكانوا يقولون: «جراد وأكراد والله أراد». لا يعنون بالأكراد هذا الشعب المسلم الكريم الذي أخرج صلاح الدين والملوكَ الكبار من بني أيوب، معاذ الله، بل ما سرى على الألسنة من قديم ظلماً وافتراءً من تسمية قُطّاع الطرق بالأكراد. وفي الأكراد (كما يكون في العرب والترك والفرس وكل أمة من الأمم) الصالح والطالح والطائع والعاصي، ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى.

ولما كان عمر الزعني في لبنان ينظم في العشرينيات والثلاثينيات من هذا القرن تلك الأهازيج التي كانت تسير في الناس سير النسيم، تنعش النفوس، وكان يلحنها تلحيناً سهلاً عجيباً يحفظه سامعه من مرة، وقلده في الشام سلامة الأغواني، كان فيها هزج (طقطوقة) عن «الجراد»، ويعني بالجراد الفرنسيين. وياليت أحد الأدباء أو طلاّب الآداب يجمع هذه الأغاني ويدرسها، فهي فن في ألفاظها وأوزانها وألحانها ومقاصدها، وهي تاريخ اجتماعي صادق لمظاهر الحياة في الشام (أي في

<<  <  ج: ص:  >  >>