ومن أخبار سنة ١٩٣١ أني لما فاض في نفسي النشاط وغاض من كيسي المال، واحتجت أن أسلك كل سبيل شريف من سُبُل العمل وأطرق كلّ باب كريم من أبواب الرزق الحلال، كان ممّا مارست من الأعمال أن جعلت لطلاّب العربية، لغتها وأدبها، دروساً أعلنت عنها بنشرات مطبوعة وفي بعض الصحف، وجعلتها في المدرسة الأمينية بعد انقضاء دروسها وانصراف تلاميذها، أستعمل غرفها ومقاعدها.
تحت يدي الآن إحدى هذه «النشرات» مطبوعة بخطّ أبرع الخطّاطين على ورق صقيل ثقيل، عنوانُها «دروس في الآداب والإنشاء والتطبيق»، والمقصود بالتطبيق -باصطلاح تلك الأيام- الإعراب وبيان وجوه البلاغة. "يُلقِيها علي الطنطاوي (بكالوريوس آداب وفلسفة) لطلاّب البكالوريا وتلاميذ الثانوية بأجور زهيدة جداً: ليرتين من طالب البكالوريا وليرة من تلميذ الثانوية عن الشهر كله. تُدفَع الأجور إلى إدارة المدرسة بعد حضور الطالب ثلاثة دروس للتجرِبة مجّاناً. ويُخصَّص خُمس الواردات لإدارة المدرسة. تبدأ الدروس في ١٥ تشرين الأول (أكتوبر) سنة ١٩٣١". وعلى الصفحة الثانية نموذج من موضوعات الشهر الأول، ففي الأدب: الأدب والنقد وتاريخ الأدب، كيف يُدرس التحليل الأدبي، إلخ. وفي الإنشاء: الأفكار واللغة، الأسلوب، المذاهب الإنشائية: المذهب الواقعي، الخيالي، فنّ الوصف، إلخ. وفي التطبيق: قطعة من نهج البلاغة للشريف الرضيّ، شرح غريبها، إعراب مشكلها، بيان وجوه البلاغة فيها.
ولقد أقبل الطلاّب على هذه الدروس إقبالاً زاد على أقصى