للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها جريدة فوزي أمين (١)، وكان الفرنسيون يتغاضون عنها، بل إنهم ليحمونها ويشجّعونها ما دامت لا تنبّه الناس إلى تحرير البلاد منهم وتكون بإفسادها المجتمع عوناً لهم على بلوغ غايتهم.

وكنا نرى هذا فنتألّم، وقد نتكلّم ولكن في مجالسنا أو يوم الجمعة في مساجدنا، فتضيع أصواتنا في هذه الضجّة الهائلة المنكرة من حولنا، حتى مرّ بدمشق الزعيم الهندي المسلم شوكة علي، وكان هو وأخوه محمد علي من أظهر قادة المسلمين في الهند في تلك الأيام، وكان قنبلة «عنقودية» تتفجر بالحماسة، فما يخطب في ناد أو مسجد أو يتحدث في جماعة إلا أصابتهم شظيّة منها فأشعلَت نار الحماسة في صدورهم. وكنا يومئذ كالخشب عليه كومة القش المركوم وقد ابتلّ بالبنزين، لا تحتاج في إيقاد النار إلاّ إلى عود الكبريت ... وكانت زيارته هي عود الكبريت. والعجيب أني لم ألقَه ولم أستمع إلى شيء من كلامه، ولكن أخي الأستاذ سعيد الأفغاني حضر خطبة له وجاء يصفه لي ويلخّص ما قال.

وكنت كلما دعوت إلى أمر طبعت منشوراً وكلّفت مَن كان معي من الشباب والطلاّب (وكانوا مئات) فوزّعوه، فلا يمرّ يوم حتى يكون في كل دكّان وفي كل مدرسة وكل مسجد. وكان الورق رخيصاً وأجور الطبع قليلة، ولا يحتاج ذلك إلى إذن من الحكومة فالطباعة حرة، حتى المجلات غير السياسية لا يحتاج من يريد إصدارها إلا إلى إخبار (مجرد إخبار) وزارة الداخلية!


(١) وقد بلغني أنه صلح وصار من المتّقين فالحمد لله، ونسأله حسن الخاتمة لنا جميعاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>