للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البضاعة، وهذه المستودَعات هي دوائر المعارف (المُعْلَمات، أي الإنسيكلوبيديات) (١). في هذا القرن أُلّف «الإتقان في علوم القرآن» و «المُزهر» للسيوطي في علوم اللغة، وفيه أو قريب منه أُلّفت «نهاية الأرب» للنُّوَيري و «صُبح الأَعشى» للقَلْقَشَندي و «فتح الباري» و «لسان العرب». وهذه المجموعات الكبار لم تؤلَّف في قرن واحد، ولكنها أُلِّفت كلها بعدما وقف الابتكار وانقطع التجديد، فصار الفقه رواية لأقوال الأئمة لا استنباطاً من كلام الله وسنّة رسوله ‘. والنحو صار قواعد جافة منقطعة عن صحيح الشواهد وبليغ المأثور من كلام العرب.

والبلاغة لا تجعل دارسها بليغاً إذا نطق أو كتب بل حافظاً لما وقفَت عنده لمّا جَفّ ينبوعها وانقطع جَريها؛ كانت البلاغة «نقداً» منظَّماً، كلما جاء شاعر عبقري أو أديب بارع بصورة جديدة من صور التعبير الجميل عرّفوها، ثم صنّفوها ثم وضعوها موضعها من علم البلاغة. فإن جاء مَن يُدخِل كناية في استعارة سمّوا ما جاء به «استعارة مَكْنيّة»، وما يَحسُن به الكلام من زينة اللفظ أو المعنى جعلوا له عِلماً هو «علم البديع»، وصنّفوا هذه «المُحَسّنات» وابتكروا لها الأسماء. ولبثَت البلاغة صاعدة إلى الجرجاني ثم السكّاكي، فجاء القَزويني فلخّص ما قاله، فوقفنا عند «التلخيص» نشرحه ثم نختصر الشرح، أو نختصره ثم نشرح المختصَر! كانت البلاغة نقداً حياً يمشي مع الأدب الحيّ، فصارت قواعدَ باردة ميتة لا تبرح مكانها، ولبث الأدب (بشعره ونثره) ماشياً فانقطع ما كان من سبب بين البلاغة والأدب.


(١) لماذا لا نسمي دائرة المعارف «المُعْلَم» على وزن المُعْجَم؟

<<  <  ج: ص:  >  >>