للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان علماء القرن الماضي والقرون المتأخّرات قبله علماءَ رواية ونقل، يفهمون ما تركه السلف ولكن لا يزيدون عليه ولا يستطيعون أن يأتوا بمثله، كان حرصهم على الكتب لا على العلم الذي أُلِّفت لدراسته هذه الكتب. لذلك تقرؤون في ترجمة الواحد منهم أنه قرأ كتاب كذا وكتاب كذا وأنه أقرأ تلاميذه كتاب كذا وكتاب كذا.

فالشيخ أبو اليسر عابدين كان نموذجاً لهؤلاء العلماء، ولكنه كان نموذجاً كاملاً. قرأ على أبيه الشيخ أبي الخير عابدين الحاشية -مثلاً- بأجزائها الخمسة الكبار ثلاث مرات، وأقرأها من بَعْدُ أكثر من ثلاث عشرة مرة. وقرأ عشرات من الكتب، لا كما قرأت أنا قراءة سرد لأعرف ما فيها ولأرجع عند الحاجة إليها، بل كما عهدنا طلاّب الأزهر يقرؤون قبل أن ينتقل الأزهر إلى رحمة الله وتسكن منازلَه هذه الجامعةُ ... وَرِثَتْهُ وليست من وَرَثَته الشرعيين!

كان الشيخ أبو اليسر فهرساً ناطقاً (كمبيوتر) لكتب الفقه الحنفي، تسأله عن المسألة فيدلّك على موضعها من الكتاب الذي هي فيه كأنه هو الذي وضعها بيده، ولكن إن عرضَت مسألة جديدة ليست فيها لم يقدر على جوابها. وكان له مثل هذا الاطلاع على أصول الفقه (الحنفي) وكتبه، ولكن كتابه الذي ألّفه لنا في الأصول كان أعقد الكتب. وأنا لم أتعب في «الأحوال الشخصية» التي كان يدرّسها ولا في الوصايا والفرائض، لأني كنت قد قرأتها قبل أن أقعد بين يديه طالباً في كلية الحقوق، أما أصول الفقه فلم أدرسه من قبل ولا فهمته من كتابه، فهل تدرون مَن الذي ضوّأ لي

<<  <  ج: ص:  >  >>