للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظاهر علمه ولا هو بالجاهل المكشوف جهله؛ منهم الأستاذ شاكر الحنبلي. وكنا نعرف اسمه ونحن في الابتدائية على عهد العثمانيين أيام الحرب الأولى لأننا كنا ندرس تاريخ الملوك من بني عثمان في كتاب من تأليفه، وكان مهيباً وقوراً لا يتكلم أحد منا في درسه ولا يهمس، مع أننا نتكلم في درس غيره ونخرج وندخل، فإذا كان الدرس له لم يدخل منا أحدٌ بعدما يبدأ الدرس ولا يخرج منا أحد قبل أن يكمل الدرس. ولم يكن يزيد على ما في الكتاب، ولعله كان يحفظه، ولكنه إنْ سُئل أجاب بما يدلّ على وفر عنده من المعلومات. ولما أصدر كتاب «أصول الفقه» وأهداه إليّ وجدته يعرض فيه كتاب «المنار» عرضاً مفهوماً بأسلوب العصر، لكن ساءني منه أنه سرق من كتاب الشيخ عبدالوهاب خلاّف صفحات وصفحات، نقلها كما هي ولم يُشِر إلى مصدرها. ولم يمنعني كونه أستاذي أن أشير إلى هذه السرقات لمّا كتبت -كما طلب مني- نقداً للكتاب. ثم هبط من يَفاعه ونزع عنه جبّة الوقار، وهو في آخر العمر، ونزل إلى ميدان الصحافة فأنشأ مجلة «الأقلام»، ودعاني إلى الكتابة فيها، فصرت أراه بالعين التي أرى بها كل صاحب جريدة أكتب فيها.

ومنهم أساتذة كانوا أقرب إلى الضعف، ولكنهم يسترون ضعفهم. وكان منهم واحد استمعت له المحاضرة الأولى (أو الدرس الأول كما كنا نقول)، فوجئت به أول دخولي الكلية يدور في غرفة الدرس يخطب ويتشدّق ويتقعّر ويشير باليدين، ولكني لم أخرج منه بكثير نفع، فكان رحى (طاحون) لها جعجعة وما فيها من الدقيق إلاّ قليل. ولكن بقي في ذهني إلى الآن شيء ممّا

<<  <  ج: ص:  >  >>