للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا، فأحرم نفسي متعة الجمال والمال، أم أقول: نعم، فأسلك سبيل الضلال؟ وتمنيت أن أقوى على الرفض فلم أستطِعه، ومنعني ديني أن أعلن القبول. وكانت هذه الخواطر تمرّ في نفسي مرّ «الفِلم» الذي يكرّ مسرعاً، وهما يرقبان الجواب وهو يستحثّني عليه يشجّعني على القبول، فقلت: ولكني لا أستطيع أن أدرّس الآنسة وحدها. وقد نسيت أن أقول لكم إنها كانت سافرة يتهدّل شعرها على كتفَيها وتبدو ذراعاها، قالا: ولِمَه (١)؟ قلت: لأن ديني يحرّم هذا عليّ. قالت: آتي بأخي معي يحضر الدرس. وليتها ما نطقَت! فقد كان صوتها فتنة أخرى كامنة فيها، ومن الأصوات ما يفتن ولو نطقَت صاحبته بالموعظة والتذكير.

وحضر أخوها، ودرّستها. والدرس (تصوّروا) موضوعه منهاج تاريخ الأدب في البكالوريا الذي يجيء في أوله شعر بشّار وأبي نواس، ولو درّس الشابّ مثلَ هذه الفتاة أحاديثَ البخاري لوجد الشيطانُ مدخلاً إلى مجلسهما، فكيف والدرس في غزل بشّار المكشوف المفضوح وشعر أبي نواس؟! درّستها أربع حصص أو خمساً، اللهُ أعلم كيف كنت فيها، وإن لم أدرِ (صدّقوني) ما لون عينيها، فأنا كنت الخجلان لا هي؛ فكنت أتحاشى النظر إليهما، على رغبة نفسي فيما أتحاشاه. ثم رأيت أن استمرار الدرس مع غضّ البصر ولزوم الاحتشام ومع ما في النفس من الرغبة الطاغية نوعٌ من عذاب الدنيا، ونظري إليها ورفع الكلفة معها وتوثيق الصلة بها تعريض نفسي لما هو أشدّ منه من عذاب الآخرة. فتركت لها ما بقي لي من الأجرة معها، وهربت


(١) هذه هاء السكت.

<<  <  ج: ص:  >  >>