ولست أنصح الطلاّب أن يعملوا مثلي فهذا شيء عملته مضطراً إليه، والطالب العاقل يُعِدّ للامتحان من أول يوم، يمشي على مهل خطوة خطوة مثل سلحفاة لافونتين، فهذا أسلم من أن يقلد (كما قلدت أنا) الأرنب، وكما أصنع دائماً. إن هذا من عيوبي، وعلى الكاتب أن يجنّب قرّاءه عيوبه. إني أؤخر كل عمل إلى آخر وقته ثم أقوم مسرعاً أعدو كالمجنون؛ لقد تركت الحكمة العربية الصحيحة «لا تؤخّر عمل اليوم إلى الغد» وأخذت الكلمة الحمقاء للكاتب الفاسق أوسكار وايلد «لا تؤخر إلى غد ما تستطيع عمله بعد غد»! لقد أضاع عليّ التسويف خيراً كثيراً في الدنيا وأسأل الله -ضارعاً إليه- ألاّ يضيع عليّ خير الآخرة (١). لقد حاسب الغزالي نفسه مرة فقال لها: يا نفس، ألا تؤمنين بأن الله مطّلع عليك ناظر إليك؟ قالت: بلى. قال: ألا تعلمين أن كل ما تعملينه يُقيَّد لك أو عليك، وأنك واقفة غداً بين يدَي الله فمحاسَبة عليه ومَجزيّة به؟ قالت: بلى. قال: ألا تعلمين أنه غفور رحيم وأنه سريع الحساب شديد العقاب؟ قالت: بلى. قال: فكيف إذن تعصينه؟
فتبيّن له أن العلّة ليست من ضعف الإيمان ولكن من التسويف وفقد العزم. لقد قلت من قبل إن كل واحد منا يريد أن يستقيم وأن يتجهز للسفر ويتزود للرحيل، ولكنه يؤجل ويسوّف. إنه يؤمّل دائماً أن يتوب، ولا يزال في التسويف والأمل حتى يسبقه الأجل. فيا ربّ قوّةً منك أصحّح بها العزم على العودة
(١) من شاء فليقرأ المقالة الظريفة المفيدة «لا تؤجّل» في كتاب «مع الناس» (مجاهد).