للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليك، فإنه لا حول ولا قوة إلاّ بك.

كنت في السنة الثانية من كلية الحقوق لمّا عُيّنت معلّماً (وسيأتي الحديث عن ذلك)، وكان قد بقي للامتحان أقلّ من شهرين، فتسلمت عملي وواظبت عليه، واضطُررت إلى تأجيل امتحان الحقوق إلى الدورة الثانية ووُفّقت والحمد لله فيه.

وممّا اعترض دراستي في الجامعة أنه مُنع الجمع بين الوظيفة والدراسة الجامعية، وكان كثير من الطلاّب موظفين. وكانت أزمة استغلها المعارضون وكَثُر فيها الجدل، على نحو ما نقرأ الآن في الصحف عن حكومة المغرب التي مارست الآن مثل هذا المنع. وخاب كل مسعى وأصرّت الحكومة على قرارها، ولكن لكل قاعدة شواذّ، وكنت من الشواذّ، فقد غَضّوا الطرف عن بسّام كرد علي لأن عمّه أستاذنا محمد كرد علي هو الوزير، وعني لأني ... لأني ماذا؟ هل أعترف بالحقيقة فأقول: لأني حديد القلم طويل اللسان محاط بجيش من الطلاّب؟

وسمحوا لي أن أوكّل وكيلاً عني يدرّس في مكاني. وكان من أصدقائي رجلٌ عصامي، طالب علم من أصحاب الشيخ هاشم الخطيب، وكان نجاراً في «القَباقبيّة»، نجّاراً بارعاً يأكل من كسب يديه مالاً حلالاً كما كان شأن بعض كبار الصحابة وكبار العلماء. وكان يغدو إلى درس الشيخ هاشم في المسجد ثم يؤمّ دكانه في السوق، يُحسِن عمله وينصح من يعامله ويقنع بالقليل الحلال، لم يكن غشاشاً ولا طماعاً ولا مدّعياً في صناعته، وكان -إلى ذلك- من أرباب الفتوّة، لاعب سيف. وكانت لعبة السيف

<<  <  ج: ص:  >  >>