للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والترس ممّا يفخر به الرجال، وكان البطل فيها يمسك بيديه سيفَين وينازل خصمَين، وكذلك كان هذا الصديق، وكان يحطّ على الأرض قاعداً القرفصاء ثم يثب من قعدته في الهواء كما يفعل أهل القوقاز. وهو اليوم أحد الشيوخ المعروفين في الشام، انقطع إلى العلم وخرّج علماء وأفاد المسلمين. ذلكم هو الشيخ صالح فرفور، وهو أسنّ مني مدّ الله في عمره وقوّاه.

وكان من مشاقّ طريق الدراسة هذه الأقساط، وهي تعدل بسعر اليوم ستّة ريالات، وكدت من أجلها أخرج من الجامعة وأضيع دراستي! لقد كان صباح يوم ٢٩ نيسان سنة ١٩٣٢، تاريخ أذكره دائماً لأنه كان آخر أجل لدفع القسط، فذهبت إلى عمّي أطلب منه المبلغ قرضاً، فوجدته في الطريق، وكلمته فتجاهل طلبي وقال: السلام عليكم، ومشى. ولم يكن بقي من وقت الدفع إلاّ ساعتان، فأكرهت نفسي على تجرّع كأس المذلّة وأعدت السؤال، فقال: ما معي، السلام عليكم. فكدت أنفجر من الغضب وكاد لساني، بل وكادت يدي يفلتان مني، ولكني كظمت غيظي وقلت: اقترضها لي من المكتبة. وكان قد وصل إلى باب المكتبة الهاشمية، وأنا أعلم أن له فيها مالاً وأنهم لا يردّون له طلباً. ولم يدرِ كيف يتخلص مني فقال لهم: هل عندكم عشر ورَقات (وكنا نقول عن الليرة ورقة)؟ قالوا: نعم، بكل ممنونية. فرأيته أشار إليهم بحاجبه ألاّ يعطوني، فاستدركوا وقالوا: ولكن بعد يومين. فلم أقُل شيئاً، ووجدت من أقرضَني فدفعت المبلغ الكبير الذي كاد يقطع عليّ دراستي ويضيّع مستقبلي وهو عشر ليرات، أي ستّة ريالات! ثم جاءت المصيبة الكبرى وهي رسم

<<  <  ج: ص:  >  >>