الأستاذ الجندي قال لهم مرة ضاحكاً: ماذا أقول لكم وأحفادكم اليوم يجلسون على مثل هذه المقاعد، وأنتم تعملون عملهم؟
* * *
أما الأستاذ شفيق جبري فقد قلت لكم إنه كان يُعِدّ محاضرة واحدة في الأسبوع، المحاضرة في نحو ستّ صفحات فقط من صفحات الكتاب، يقرؤها من الورق إلقاء متّئداً جميلاً، لا يزيد على المكتوب شيئاً ولا يفتح صدره لمناقشة، وأظنه لا يقدر عليها. وهو شاعر في الطبقة الأولى من شعراء هذا العصر، كنا نقدّم عليه خير الدين الزركلي، ولكن الزركلي تدفق شعره غزيراً فيّاضاً نحو عشر سنين ثم غاض، وجبري استمرّ. وهو أديب ولكن حظّه من الاطّلاع على الأدب العربي القديم (الذي يسمّونه اليوم بأدب التراث) حظّ قليل، مطّلع على الأدب الفرنسي أو على جانب منه، لم يُحِط به كلّه ولم يعمّق النظر فيه ولكنه فهم الجانب الذي اطّلع عليه فهماً تاماً.
كنت أحفظ وأنا في المدرسة مقطوعات من شعره وألمس فيه روحاً وطنية، وكنت أراجعه في وزارة المعارف، وكان ركناها بعد الوزير هما: شفيق جبري رئيس الديوان (وهو بمثابة وكيل الوزارة) ومصطفى تمر المفتّش العامّ. وكنت أسمع قصائده يلقيها في المجمع العلمي فأُعجَب وأنا شابّ بجودة شعره وحُسن إلقائه، وعرفته من قرب أيام اشتغالي في جريدة «فتى العرب» عند صديقه الأستاذ معروف الأرناؤوط. فما الذي أثارني عليه وبدّل نظرتي إليه؟