للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من أضعفنا في العلوم وأقلّنا في الدرجات. فانطبعَت بذلك صورة سيئة لها في نفسي.

ثم انصرفت الحكومة عنها وكأنها يئست منها، فتركت من كان فيها من التلاميذ ليكملوا دراستهم فيها، واستغنت عن خيرة أساتذتها، وقررت إلغاءها. فلما بلغتها وجدتها كالآثار: ديار ولكن ما فيها ديّار، صرح عامر ولكن:

تحمّلَ عنه ساكنوهُ فُجاءةً ... فعادَتْ سواءً دُورُهُ ومقابرُه

مشاتل صوّح نبتُها ويبس زرعها، وبساتين ماتت أشجارها وبادت ثمارها، وآلات صدئ حديدها ورثّ جديدها؛ صار القصر قبراً وصار الواقع ذكرى.

لقد محت الأيام الآن صورة سلَمية من ذاكرتي إلا بقعاً منها ثبتت ألوانُها على مرّ الزمان، حتى أراها اليوم -بعد نصف قرن كامل- واضحة ظاهرة كأنما هي قد رُسِمت أمس. لمّا ركبت السيارة من دمشق كان قد بقي من السنة المدرسية شهران اثنان. وكنت أعلم هذا، ولكني لمّا جئت أختار الكتب التي أحملها معي كنت أرى الكتاب فأقول إنه يفيدني، والثاني فأرى أنه يسلّيني ... وكتبُ العالِم (أو طالب العلم مثلي) هم أصدقاؤه، ولا تطاوعني نفسي في التخلي عن أحد من أصدقائي، بل إنني لطول معاشرتي الكتب وابتعادي (إلا عند الاضطرار) عن الناس أفيض عليها صفات الأحياء من الأصدقاء، فهذا مخلص ولكنه قبيح الصورة صعب العِشرة، وهذا عالِم مطّلع ومعلّم نافع ولكنه ثقيل الدم بعيد عن القلب، وهذا خفيف الروح يسلّيك ويطربك

<<  <  ج: ص:  >  >>