للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لكن لا تخرج من صحبته بطائل، وهذا حبيب إليك لا تملّ رفقته ولا تحتمل فرقته، وهذا بغيض إليك ولكنه مفروض عليك ... وقد جمعت كتباً لا يتسع لقراءتها عامان، مع أنه لم يبقَ لديّ إلا شهران وعندي امتحان، فقد كنت في السنة الثانية من كلية الحقوق. وكنت أعرف هذا ولكن الإنسان طمّاع، يجمع من المال ما لا ينفقه ومن الكتب ما لا يقرؤه ومن اللباس ما لا يلبسه، يريد أن يملك كل شيء. يبتغي الألف فإن نالها طلب الألفين، وإن وصل إلى المليون طمح إلى المليونين، ولو كان له وادٍ من ذهب لابتغى له ثانياً، ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

* * *

خرجت من دمشق صباحاً، وكنت أرجو أن أبلغ سلمية قبل انصراف التلاميذ فما بلغتها إلا ليلاً، فوجدتها أشبه شيء ببلدة بَحْرة (١) وحولها صحراء كالتي تحيط ببحرة، ورأيت فيها وأنا في السيارة مضارب بدو، خيامهم قائمة وماشيتهم سائمة، وفي وسطها قهوة فوقها بناء جديد، كالذي ترونه وسط بحرة لكنه أكبر وأعلى. وبحرة على الطريق إلى مكة، فلا يكاد المارّ بها يتأملها لأن بصره موجّه إلى غايته فهو يريد بلوغها، فلا يتنبّه إلى ما يمر به في الطريق إليها، وسلمية غاية لقاصدها، ينقطع الطريق عندها فلا يصل إلى مدينة بعدها.

ووقفت السيارة في رحبة البلد أمام القهوة، فخرج منها


(١) في منتصف الطريق القديم بين مكة وجدة، و «البَحرة» في اللغة مجتمَع البيوت.

<<  <  ج: ص:  >  >>