للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المرحّبون بي القاعدون في انتظار استقبالي. ووجدت أن مدير المدرسة هو الرجل الطيّب النبيل بكر (باكير) أفندي الأورفلي الذي كان من معلّمينا في المدرسة الابتدائية (وهو من حماة)، ووجدت اثنين من المعلمين فيها كانا معنا في المدرسة: الشيخ منير لطفي والرسّام البارع شعيب أفندي. وقعدنا نتحدث كأننا متعارفون متآلفون طول العمر، وكنت موضع التكريم.

ومن يَعِشْ في القرية المنقطعة يأنسْ إن قدم قادم، لأنه وجه جديد معه خبر جديد، يبدّد به وحشة العزلة وملل الحياة الرتيبة. أما أنا فقد كنت في نشوة من الأنس بهؤلاء الإخوان وبما أحسست من الأمان والاطمئنان، وبالهدوء الذي أُقدِم عليه وأعيش فيه بعد الصخب والضجيج في الجريدة ولجنة الطلبة والخطب والمظاهرات ومصادمات الشرطة ومناظرات ومهاترات الصحف ... في بلد جديد آمل أن أجد فيه طريفاً مشوّقاً. ثم إني بين إخوان بدا لي من اللقاء الأول أنهم طيّبون لا خلاف بينهم ولا تباغض، ما بينهم -كما يبدو- إلا المحبّة والوداد. ثم إني سأستريح من طَرق أبواب الرزق وآخذ مرتّباً كافياً، هو ستّ وثلاثون ليرة (تعدل بسعر اليوم اثنين وعشرين ريالاً). ذلك كان مرتبي في الشهر، أي أقلّ من ثمن بطيخة واحدة أو كيل بلح في أيامنا هذه! بثمن بطيخة أنفق على نفسي هنا وعلى إخوتي وعمّتي في الشام شهراً كاملاً لأنني كنت أشتري بها قبل خمسين سنة ما لا يُشترى الآن بألفَي ريال!

وانفضّ الجميع فذهب المعلمون إلى بيوتهم، وصحبت المدير إلى دار السيد (الذي صار من بعدُ شيخاً بجبّة وعمامة) منير

<<  <  ج: ص:  >  >>