للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأنشؤوا في قرى الجبل المدارس التي صارت من بعد الجامعة الأميركية والجامعة اليسوعية، وفتحوا المستشفيات يداوون فيها الأجساد ويُمرِضون الأرواح، فلما دخلوا علينا بعد «ميسلون» وصاروا هم المتحكمين فينا وصار إليهم أمرنا أعلنوا خُطّتهم، فبدؤوا بعلوم الدين وهي: التوحيد والتجويد والفقه والأصول والحديث والمصطلح، فجعلوها مادة واحدة سَمّوها درس الدين، وأعطوها من الوقت كالذي يُعطى للرياضة أو الموسيقى أو الرسم!

ثم ربطوا الدروس كلها في السنوات الأولى التي يكون فيها التأسيس والتي تُغرَس فيها في نفوس التلاميذ بذور الكفر أو الإيمان، والصلاح أو الفساد، والفصاحة والبلاغة أو العي والركاكة، فإذا لم يدرس التلميذ فيها قواعد لغته لم يتعلمها أبداً ... ربطوها كلها بمعلم واحد، ربما كان نصرانياً أو كان ملحداً أو كان مسلماً بالاسم مهملاً للواجبات مرتكباً المحرّمات، ومن جملة هذه الدروس درس الدين. وجعلوا الطفل في مدرسة الحضانة يتعلم (ABC) مع (ألف باء تاء)، حتى صار منهم من يُتقن الفرنسية أكثر ممّا يُتقن العربية، وجعلوا الحديث بين الطلاّب في «الفسحة» بالفرنسية، فمن تَكَلّم العربية أُعطي «السينيال»، وهي قطعة من الخشب أو النحاس على مَن يُعطاها أن يراقب التلاميذ حتى إذا رأى متكلماً بالعربية دفعها إليه، ومتى قُرع جرس الدرس وهي معه ناله العقاب.

وكنا نحن التلاميذ الكبار في أوائل العشرينيات نأبى الحديث إلا بالعربية ونرى ذلك من الوطنية، لذلك كبرت وأنا لا أحسن

<<  <  ج: ص:  >  >>