مختلّة، ساعاتنا كلها خَرِبة، وإلاّ فخبروني: كيف تكون ساعة العروس (أقصد العريس) في أول ليلة من شهر العسل ستين دقيقة، وساعة المحبوس في سجن الجبّارين يذوق فيها أفانين العذاب ستين دقيقة؟
لم يطل ليلي ولكن لم أنم، بل بقيت الليل كله أنظر من الشبّاك أتبصّر هل طلع الفجر، فلما رأيت بياض الأفق الشرقي وأيقنت أنه الفجر وأن موعد الفرج قد دنا، عبّأت كتبي في حقيبتي وألقيت فوقها ثيابي، وصلّيت الفجر وحملتها، وأغلقت باب المدرسة وأخذت طريقي إلى البلد. وكان موقف سيارة حمص بعيداً والحقيبة ثقيلة، ولكني لمّا بلغت أطراف البيوت ودخلت البلد كان قد طلع النهار، فوجدت من تلاميذي من حملها عني وسار بي حتى بلغت القهوة، فأكلت فيها ودعوت من معي وشربنا الشاي، حتى جاء موعد انطلاق السيارة التي كان ينتظرها المسافرون، فأكرموني فأركبوني جنب السائق، وودّعت من كان معي وسرت، أعني سارت بنا السيارة، وكان ذلك اليوم (وهو أول حزيران (يونيو) ١٩٣٢) آخر عهدي بسلمية، لم أرَها بعده.
* * *
وصلنا إلى قرية أظن اسمها قرية عزّ الدين (أو اسماً يشبهه)، فركب معنا شيخ بعمامة لها عَذَبة طويلة ولحية بيضاء، فلما سمع السائقَ يدعوني بالطنطاوي هشّ لي وأقبل عليّ، ومدّ يديه يعانقني ويقول: يا بركات السيد البدوي، أهلاً وسهلاً بابن طنطا، هل أنت منها؟ قلت: جدي منها وأنا لا أعرفها. وانطلق يحدّثني من