للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوق كتفي (لأنه ركب الصف الأول من مقاعد السيارة وأنا إلى جنب السائق) ويقصّ من كرامات السيد ما لا يقبله عقل ولا يُقرّه دين ويؤكد أن الشيخ عزّ الدين المدفون في هذه القرية من أتباعه، وكانت محنة ولكنها لم تطُل لأنه نزل بعد قليل.

ومررنا بمضارب بدو فدعونا إلى القهوة، واختلف الركاب ثم نزلوا، فقعدنا على بساط نظيف واستندنا إلى وسائد وضعوها لنا، وسقونا القهوة العربية المرة وثلثاها (كما هي العادة) من الهيل والثلث من البُنّ، وهي منشّطة لذيذة. بقينا عندهم أكثر النهار، وأرادونا على أن نتعشّى عندهم فاعتذرنا. وكان كرمهم الفطري وصفاء نفوسهم وصدق حديثهم قد نفض عنا التعب. ومشت بنا السيارة في سهول خضراء تارة وفي قفرة جرداء تارة، والأرض منبسطة من حولنا لا يحدّها إلا الأفق حيث ترى العينُ السماءَ قد التقت بالأرض، ولم نجد في مسيرتنا إلاّ مضارب البدو المنتشرين في تلك النواحي لأنه كان عام خير، وكانت المراعي كثيرة والنعم وفيرة، والجِمال تبدو أمام الشمس المصفرّة المائلة إلى الغياب كأنها تسبح في بحر من النور أو كأنها لوحة سينما كبيرة.

حتى إذا توارت بالحجاب وأُسدِلَ ستار الظلام بدت أنوار من بعيد، فقالوا هذه حمص. ونزلنا نستريح في «الروضة»، وكانت روضة حقاً؛ بناء جميل حوله حديقة أنيقة فيها الموائد والمناضد المنصوبة حولها الكراسي المصفوفة، فجلسنا سويعة أكل فيها مَن أكل وشرب من شرب، وصلينا كلنا المغرب جماعة ثم افترقنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>