للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبُهت وتحيّر: هل يغضب للضربة أم يرضى بالنصيحة؟ ولكن النوم طار من عينيه إلى آخر الطريق. ووصلنا بسلام.

* * *

وبلغت دمشق، وأحسست لمّا هبّت عليّ نسائمها كأني غريق خرج إلى الهواء. ولقد شرّقت من بعدُ وغرّبت ورأيت بلاداً لا أحصيها عدداً، فما رأيت فيها أجمل من دمشق. أفهي كذلك أم تجمُل في عينَيّ لأنها بلدي، وكل إنسان يؤثر بلده على سائر البلدان؟ لقد عرفت مَن ذهب إلى أميركا وعاش في أكبر مدنها واستمتع بمنتجات حضارتها ووسائل الترف فيها، فما أنسته نيويورك وناطحات السحاب فيها قريتَه ولا بيته المبنيّ من الخشب واللبِن في أزقّتها، وكان يحس أنه في أميركا غريب، نزيل في فندق، ما شعر بالاستقرار إلاّ لمّا وصل القرية وولج الدار. وهذي لعَمري من حكيمِ ما قدّر الله، وله الحكمة البالغة في كل ما قدّر؛ ولولا ذلك لاجتمع الناس كلهم في مواضع المال والجمال وخربت البلاد الفقيرة وأقفرت.

كنت أشكو في سلمية السكون الذي يشبه الموت والفراغ الذي يحكي العدم، فعدت إلى مثل ضجيج المعركة وزحمة الحشر، ورجعت إلى ما ابتعدت عنه واسترحت منه: خطب سياسية في الأموي عقب صلاة الجمعة، بعدها مظاهرات وهتافات ومصادمات بيننا وبين الشرطة، فإنْ حَمِي الوطيس دُعي الجند من السنغاليين وغيرهم أو نزلَت المصفّحات. ونستريح بعدها قليلاً ثم يُستأنف النضال.

<<  <  ج: ص:  >  >>