والمدارس التي كنت أعلّم فيها: ولها عليّ حقوق ولي بها ارتباط، وهي مدارس أهلية عملها في الصيف أكثر من شغلها في الشتاء، لأن آباء التلاميذ لم يكونوا قد ألِفوا العطلة الصيفية وكانوا (أو كان أكثرهم) يظنّ أنها تُنسي التلميذ ما تعلّمه، لذلك كانوا يُدخلون أولادهم هذه المدارس الأهلية يَبقون فيها مدّة الصيف، فإذا انقضت العطلة وفُتحت مدارسهم «الأميرية» عادوا إليها. وكنت وأنا تلميذ أحد هؤلاء التلاميذ، فلما عدت الآن إلى دمشق رجعت إليها أعلّم فيها، في الأمينية والتجارية والجوهرية والكاملية، فكانت تعجّ بالتلاميذ وكانت تُقام لهم الحفلات، فأرجع إلى ما كنت فيه من قبل، أؤلّف لهم مسرحيات مدرسية يخرجها صديقي المحامي أحمد حلمي العلاف، وأعلّمهم أنا الإلقاء بأنواع اللهجات التي يقتضيها المقام: الاستفهام والتأنيب والغضب والتهديد والسخرية، وكيف يعبّر الوجه عن كل موقف. والذين كانوا يزورون المدرسة ويرونني أعلّمهم هذا كله يشهدون لي بالنجاح فيه، لكن لو سُئلت من أين تعلمته أنا لما دريت. وأخذت مرة مجموعة من الصور (لي) أعبّر فيها بوجهي عن هذه المواقف كلها على طريقة السينما الصامتة، وبقيَت عندي مدّة طويلة، حماقة من حماقات الشباب.
والثالثة: الصحف التي كنت أعمل فيها محترفاً، وعدت إلى الكتابة فيها. وكانت تصدر لي في بعض الأيام مقالتان في صحيفتين معاً، وكان من أهمّ الموضوعات التي كتبت فيها أني واليت الدعوة إلى الأدب القومي، أو ما يُدعى الآن «أدب الالتزام»؛ لا الالتزام بمذهب سياسي ولا بمنهج حكومي، بل