للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحضارة المؤمنة إليها.

ويبلغ بردى «بَسّيمة» و «الأشرفية» و «الجدَيْدة» فيجعلها الله به أجمل البقاع، يسقيها من مائه فيكون شكرها إياه خمائل قلّما رأى الراؤون مثلها، تعانقه السواعد الغضّة من أشجارها وتلثم خدَّه الروائعُ من أزهارها، وهو يلين تارة حين تُرى حصباؤه من صفائه، ويشتدّ أخرى فيُرغي ويُزبِد ويكون له منظر مرعب ولكنه جميل، مرهوب ولكنه محبوب، كما كانت الأمة العربية المسلمة بعد أن بسطت سلطتها على العالَم القديم كله محبوبة مرهوبة، يحبّ الناس عدلها ويرهبون بطشها، أغاث الله بها أرجاء الأرض فكان شكرها إياه هذه الأموال التي فاضت بها خزائنها وهذا النعيم الذي تفيّأ ظلالَه أبناؤها. وكانت تستقيم لها الأمور فتلين حتى تجعل البلاد جنة يسعد بها أهلها، وكانت تغضب فيغضب لها الدهر وتسير إلى عدوّها فيسير في ركابها الموت. كانت تحمل في يمناها السعادة والهداية والسلام لمن أراد السلام، وفي يسراها الموت والخراب والشقاء لمن أراد الحرب، كما يحمل بردى عند بَسّيمة والجديدة الخير والنماء والطوفان والغرق.

ويبلغ بردى الربوة ويمشي عند «النَّيْرَبين» وقد صار النهرُ الواحد سبعةَ أنهار، منها العالي الذي يمشي في عَدوة الجبل، والذي في السفح، والذي يقبع في قرارة الوادي، منها الكبير الممتلئ والصغير الفارغ، كما انقسمت الأمة إلى طوائف وحكومات منها القوي ومنها الضعيف، وإن كان من هذه الحكومات الصغيرة حكومة ردّت الصليبيين وغلبتهم في حطّين كحكومة صلاح الدين، وحكومة هزّت في «الحدَث»

<<  <  ج: ص:  >  >>