للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرية حقها من هذا الماء، لا يطغى بستان على بستان لا يأخذ أحدٌ أكثرَ من حقه ولا يُحرَم أحد شيئاً من حقه.

وأعجب من هذا التقسيم لماء القرى والبساتين قسمة الماء على حارات دمشق وأحيائها، فلكل حارة نصيب معلوم ثم يُوزّع هذا النصيب على البيوت، ومقاسم المياه تقوم في أزقّة البلد، ويسمّى المَقسم «الطالع»، وهو بناء مربّع بحجم البرّاد الكبير أو الخزانة، يقوم في زاوية الطريق، يصل الماء إليه من فتحة لها سعة محدَّدة ثم يُوزَّع على فتحات أصغر منها، كل واحدة توصل الماء إلى دار من الدور. ومن المنازل ما يأتيه الماء منها رأساً ومنها ما يكون ماؤه من فائض دار أخرى. وفي كل دار بِركة ينصبّ إليها الماء من «السّبع»، هذا اسمه، ولعلّه كان قديماً على صورة سبع يُنزل الماء من فمه كما ترى في صور «الحمراء» في الأندلس، ويفيض من «الهارِب» (١). ثم يخرج الماء من الدور إلى المجاري. وفي دمشق مجارٍ تحت الأرض مبنيّة، قديمة جداً، لعل منها ما يزيد عمره على ألف ومئتي سنة، ولا تحتاج إلى مضخّات تدفع ماءها كما هي الحال في البلاد الأخرى، لأن أرض دمشق مائلة من الغرب إلى الشرق، لذلك يجري فيها الماء جرياً طبيعياً.


(١) في مقالة «طريق السعادة» المنشورة في كتاب «مع الناس» يقول الشيخ: "قعدت أمام البحرة وأردت أن تمتلئ ففتحت السباع كلها فتدفق الماء"، ثم شرح ذلك في الحاشية فقال: "البحرات: البِرَك التي تكون في بيوت الشام القديمة، فيصبّ الماء إليها من تماثيل من النحاس على هيئة السّباع، لذلك يُسمّى مصب الماء «السبع» ومجراه «الهارب» (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>