للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما بردى فإنه يذلّ بعد عزّه، ويفتقر بعد غِناه، ويضعف بعد قوّته، ويصل في الصيف إلى دمشق قليل الماء معدوم الصفاء، حتى إن الهرّة تمشي في مائه فلا تغرق! ثم يخرج إلى الغوطة.

ولقد جئت أحدّثكم عن الغوطة، ولا أظن أنكم تعرفون عنها إلاّ مقالة ياقوت الحموي في «معجم البلدان»، ياقوت الذي ساح في بلاد الله شرقاً وغرباً ورأى أقاليم الأرض، فما رأى مثل غوطة دمشق، وأقرّ أبا بكر الخوارزمي على أن متنزَّهات الدنيا أربع: غوطة دمشق، وصُغد سمرقند، وشِعْب بَوّان، ونهر الأُبُلّة. أما سمرقند فلم أصل إليها، وأما شعب بوّان فقد خبّرَنا المتنبي أن:

مَغاني الشِّعبِ طِيباً في المَغاني ... بمنزِلةِ الرّبيعِ منَ الزّمانِ

ولكنّ الفتى العربيَّ فيها ... غريبُ الوجهِ واليدِ واللسانِ

ملاعِبُ جِنّةٍ لو سارَ فيها ... سليمانٌ لسارَ بتُرْجُمانِ

وأما نهر الأبلّة (ويُدعى اليوم «أبو الخصيب») فسيأتي كلامي عنه حين أصل إلى ذكريات سنة ١٩٣٦ لمّا ذهبت إلى البصرة مدرّساً للأدب العربي فيها. وأما الغوطة فهي: "بساتين متصلة حافلة بأنواع الثمار، تمشي فيها من طرَفها إلى الطرَف الآخر أكثر من تسع ساعات، وما تنفكّ تمشي في ظل شجرة مثمرة أو بجوار نبتة مُزهرة. ولو اجتمع على مائدة واحدة ما يخرج منها من الثمار لاجتمع أكثر من ثلاثمئة طبق، ما في طبق منها مثلُ ما في غيره من الطباق. إذا رأيت نساءها يَلُحْنَ لك من بعيد وهنّ ساربات خلال الأشجار أو منثورات وسط الحقول رأيت

<<  <  ج: ص:  >  >>