للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد سقى شعراؤنا بدموعهم أطلال الديار، بكوا الحفرة التي كانت حول الخيمة وآثار الموقد الذي كان لأهلها ... جاؤوا لبقايا حياة فقيرة في صحراء، فخلّدوها بقصائد حوّلَتها في خيال من يقرؤها إلى جنّات مسحورة في حُلم فاتن، فأين شعراؤنا اليوم يبكون «الميزان» الذي كان نزهة المشتاق وملتقى العشاق ومجتمَع الرفاق، يوم كنا نشدّ إليه أحمالنا فنبسط البُسُط ونمدّ الموائد وننصب السَّمَاوَرات، و «المِزّة» بسهلها من ورائنا و «الرَّبوة» ومدخل واديها من أمامنا عن شمائلنا، و «قاسيون» أجمل الجبال (حاشا أُحُداً وحِراء) يواجهنا، تنام في حضنه أحياء «المهاجرين» و «الصالحية» و «ركن الدين»، وتحت قدمَيه البساتين، أينما نظرت رأيت البساتين، وإلى أمامنا من بعيد قبّة النّسر ومنارات الأموي، أبهى المساجد وأقدمها وأعظمها (اللهمّ إلاّ الحرمين والأقصى الذي هو ثالثهما)، وتحت أرجلنا نهر «باناس» أصغر أبناء بردى وإلى جنبه أخوه «قَنَوات»، وعلى سفح قاسيون أكبر الإخوة «يَزيد» وتحته «تُورا»، وفي صدر الوادي «الشّاذِرْوان».

أين هذه المغاني؟ لقد صار «الميزان» مستشفى المواساة. إنه يداوي الأجساد، ولكن ألم يكن الميزان يعالج بجماله النفوس فيكون منه دواؤها؟ وهل للنفوس شافٍ من أمراضها مثل الجمال؟ و «صدر الباز» الذي كنا نمشي إليه كل «صبحيّة» وكل «مَسَويّة»، المرج الأخضر منبسط من حولنا وبردى يتوثّب من نشاطه جارياً بين أيدينا وقاسيون يطلّ علينا، نضع البطيخةَ في جانب النهر حتى تبرد وإبريقَ الشاي على النار حتى يسخن، ونأخذ بأطراف الحديث حتى نتسلّى. أين «صدر الباز»؟ إنه المعرض الدولي

<<  <  ج: ص:  >  >>