للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكنها -مع الأسف- مملوءة بأخبار الجنّ والعفاريت وما يشبه ما يُعرَض على الأطفال كل يوم في الرائي من «الصور المتحركة»، التي تسلّي الأولاد وتملأ فراع وقتهم، ولكني أظنّ أنها تفسد عقولهم. وقد طالما تكلمت في ذلك مع الأستاذ كامل، في دمشق وفي ندوته الأسبوعية المعروفة في مصر، فكان يُدلي بحجج ويسوق أدلة على أنها تقوّي الخيال وتُعين على النبوغ في الأدب وفي كتابة القصة خاصّة، وما اقتنعت بما قال. والأستاذ كامل لم يقتصر عمله على أدب الأطفال، بل ألّف في التاريخ ودرّس وأفاد، وكان عالماً أديباً فاضلاً. وسأتكلم يوماً (بمناسبة ذكر ندوته الأسبوعية) عن الندوات التي أعرفها: هنا كندوة الأستاذ الأديب عبد العزيز الرفاعي، وفي الشام كندوة الأستاذ محمد كرد علي، والأمير طاهر الجزائري (حفيد الأمير عبد القادر)، ومصطفى بك بَرْمَدا عميد القضاء في الشام، والدكتور أحمد حمدي الخياط شيخ الأطباء، وأخي نهاد القاسم الذي سبق ذكره، وغيره ممّن أرجو أن أوفق إلى الكلام عنهم.

والسابع هو الشاعر الصافي النجفي، الذي عاش بالشّعر يأكله ويشربه لا يكاد يبالي طعاماً ولا شراباً غيره، وينام معه ولو في المقاهي أو فنادق ما لها من صفات الفنادق إلا اسمها، ويلبسه ولو أسمالاً بالية وعباءة عتيقة، يصبح فينظم ويُظهر فينظم ويُمسي فينظم، ويرتضي حياة البؤس ولكنه يَنظم في وصفها شعراً يحوّل بؤسها نعيماً. وكذلك يصنع الأدب ويصنع الفنّ: فالعجوز التي جفّ جلدها وتجعّد وجهها ليست جميلة، ولكن صورتها المتقَنة غاية في الجمال. وشِعر الصافي -على كثرته وصدق صوره- شعر

<<  <  ج: ص:  >  >>