هو أن نسلّم الولد أو نسلّم البنت، وقلوبهما صفحات بيض، إلى معلّم لا يخشى الله أو معلمة لا تتقيه، فينقشا عليها سطور الشكوك والعصيان بدلاً من كلمات الاستقامة والإيمان. والمعلّم مهما بلغ من سعة العلم وكِبَر الشهادات وبلاغة اللسان لا يكون في خير إن لم يكن له -مع ذلك- المعرفة بالشرع والإخلاص لله.
جئت به وسلّمته الصفّ الأول (أي تلاميذ السنة الأولى)، وأذنت له أن يجيء معه بتلاميذ الكتّاب وأن يأخذ منهم (بموافقة أوليائهم) ما كان يأخذه في الكتّاب، واشترطت عليه إشرافي على عمله، فقبل الشرط، وتوجّه حيث وجّهتُه فبدّل طريقته في التعليم. وكان ديّناً ذكياً يحب أن يتعلم كما يحب أن يعلّم، فاستفاد وأفاد. وما فعلته عن أمري لكن بعد استئذان وزارة المعارف، أعني المفتّش العام فيها، وهو العالم المربي الفاضل الذي كان أستاذنا في السلطانية الثانية سنة ١٩١٩ مصطفى تمر، أحد الجنود المجهولين في عالم التربية والتعليم، وليس يضره إن جهل الناس قدره وأنكروا فضله، فلقد كان يعمل لله والله لا يضيع أجر من يعمل له.
* * *
لقد علّمت سنين قبل أن آتي هذه القرية، ولكني كنت أعلّم في مدارس أمرُها إلى غيري، لم أكُن أملك إدارتها ولم يكن لي الحكم فيها، وهذه أول مرّة أتسلّم فيها مدرسة فيها أكثر من مئة من الأولاد، يأخذون مني ما أعطيهم ويسمعون ما أقوله لهم ويسيرون من حيث سيّرتهم، فأحببت أن أكون لهم كما كان