أفاضل أساتذتي لي ولرفاقي؛ لا أجعل عملي كله أن آخذ ما في كتبهم المقرّرة فأحشو به أدمغتهم وأسجّله على ذاكراتهم، حتى يؤدّوه يوم الامتحان كما تَسلّموه ساعة الدرس، ثم يُمحى منها فلا يكاد يبقى منه أثر فيها ... هذا الذي تريده مني وزارة المعارف وتكافئني عليه وتقنع مني به، ولكن الله يريد مني أن أراقبه فيهم وأن أدلّهم عليه وأرشدهم إلى ما يرضيه منهم، وأجعل منهم أعضاء في جسم الأمّة سليمة من العلل قائمة بالعمل، لا أعضاء معتلّة ولا مشلولة ولا خاملة.
حاولت أن أعوّدهم على أداء العبادات، على إقامة الصلاة، على الصدق في القول، على الجرأة في الحقّ، أغرس في قلوبهم الخوف من الله وحده وأنزع منها الخوف من عبيده، لا سيما الرؤساء، على أن يحترموهم وأن يطيعوهم فيما ليس فيه معصية لخالقهم. لا أريد منهم أن يجانبوا طريق الأدب معهم فالأدب مطلوب، ولكن التذلّل هو المرفوض، فأنا لا أريد أن يذلّوا أمامهم. الذلّ أمام الله في الصلاة وأمام الضعيف لمساعدته ابتغاء ثواب الله وأمام صاحب الحقّ ليصل إلى حقّه، هذا كله عزّ. ولكن الذي أبَيتُه لنفسي وعوّدتهم على إبائه هو الذلّ أمام الجبّار الظالم خوفاً من جبروته، وأمام الغنيّ أملاً بغناه، وأمام ذي المنصب من أجل منصبه.
ووقع أمر كان امتحاناً عملياً لي أمامهم. ذلك أني لمّا وصلت القرية لاستلام عملي زرت مدير الناحية، وهو -كما قلت من قبل- المرجع الإداري لمن هو فيها. وكان شاباً مهذّباً