ورداء (جاكيت) من الجلد، وقد برّم شاربَيه الكبيرَين. فحكمت عليه بأنه مغرور متكبّر «على الفاضي»! وثارت الكرامة في نفسي، وأنا حين أحسّ أن كرامتي مُسَّت لا أعود أرى الذي هو أمامي. وقلت له بلهجة أجفّ وأيبس من لهجته: نعم أنا المعلم، وأنت من تكون؟ فأشار إليّ العسكري مِن خلفه إشارةَ مَن يخاف منه عليّ ثم قال: يا أستاذ، حضرته المدير. فقلت للعسكري: أولاً أنت ما سألك أحد فاسكت، ثم إنه لو كان المدير لكان مؤدَّباً عارفاً بمواضعات الناس المؤدَّبين، يستأذن قبل أن يدخل ويسلّم بعد أن يستأذن ... فصرخ: ماذا تقول يا أفندي، هل تعرف مَن تخاطب؟ قلت: لا لأنك غير معروف ولم يعرّفني أحد بك، أما أنا فإنني معروف، وإن جهلتَني فاسأل عني أخاك صفوح بك.
ورفع صوته فكان صوتي أرفع، واحتدم الجدل، فصحت بالطلاّب: انتباه! فسكتوا، ثم قلت لهم: صفّ. فاصطفوا، فقلت لهم: انصراف، خذوا كتبكم واذهبوا إلى بيوتكم. فانصرفوا! وأدرت له ظهري ومشيت إلى غرفتي، وتركته وحده يشتم ويهدّد ويتوعد، ثم خرج وهو يرتجف من الغضب، وأسرعت إلى دمشق فزرت بديع بك كبير أسرة آل العظم وخبّرتُه بما كان، لم أخرم منه حرفاً ولم أبدّل شيئاً ممّا قال وما قلت وما كان منه وكان مني. ويظهر أن بديع بك قد استدعاه وكلّمه فسكت ولم يذكر المسألة بعد ذلك، وأبلغني بعض المتصلين به أنه لامه وقال له: أتريد أن تعمل ثورة جديدة في الغوطة تكون أنت المسؤول عنها؟ ألا تعلم أن له لساناً يهزّ المنابر ويحرّك البلد؟ ألا تعرف أنه من زعماء الطلاّب؟ ألا تقرأ ما يكتب؟