للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما زال به حتى اعتذر له عمّا صنع، بدل أن يكلّفني أنا الاعتذار، ثم صار صديقي.

* * *

وكنت خلال ساعات الدوام أؤدّي عملي الرسمي على أكمل وجه، بل إني أعمل أكثر من العمل الرسمي وأسدّ مسدّ ثلاثة معلمين. وكنت قريب عهد بقراءة كتاب كان له -لمّا صدر في فرنسا- صدى عظيم لأنه جاء بشيء جديد في التربية الاستقلالية، هو كتاب «التربية الحديثة» لإدمون ديمولان، فحاولت أن أطبّق بعض ما فيه. وخلاصة ما جاء به (أقولها من ذهني وقد قرأت الكتاب من نصف قرن)، خلاصته أن يُكلَّف التلميذ أو المجموعة من التلاميذ بعمل يعملونه ويُترَك لهم وضع الخطة لإنفاذه، ولا يراقبهم المعلم أثناء العمل وإنما يسألهم عن نتائج العمل. فبدأت بنظافة المدرسة، وهي من عمل الآذن أو الفرّاش ولكن المدرسة ليس فيها آذن ولا فرّاش، فاقتديت بمَن هو أفضل مني بألف درجة ومن لا أبلغ في العلم ولا في الدين ولا في العبقرية عُشر مِعشار (١) ما عنده منها: عمر بن الخطاب لمّا أراد أن ينظّف بيت المقدس ممّا ألقاه فيه اليهود، عملت مثله:

فتشبّهوا إنْ لم تكونوا مثلَهم ... إنّ التشبّهَ بالكِرامِ فَلاحُ

فطلبت مكنسة وأخذت أكنس فناء المدرسة، فأسرع التلاميذ يأخذونها من يدي ويقولون: ماذا تفعل يا أستاذ؟ قلت: أفعل ما


(١) المعشار واحد من مئة من المتر (سانتي)، أما الميلّي (أي الواحد من الألف) فهو مُعَيشير (تصغير مِعشار).

<<  <  ج: ص:  >  >>