فعله ثاني رجل في الإسلام، مَن كان يحكم ثلاث عشرة حكومة من حكومات اليوم. أنظّف المدرسة. إن المدرسة دارنا فإن لم يكن عندنا خادم أفنقعد على الأوساخ؟
كنت أخاف إن أمرتهم بذلك أمراً أن يهربوا منه، فلما رغّبتهم فيه ترغيباً وسبقتهم إليه تزاحموا عليه، فقلت: رتّبوا أنتم أمركم وتقاسموا العمل بينكم، حتى تكون مدرستُكم نظيفة مثل دُوركم. ثم عملنا على غرس الأغراس وزرع الأشجار في فناء المدرسة، ولم يحتاجوا إلى مَن يعلمهم فقد كانوا أولاد أبرع الفلاحين، فما مرّ شهر حتى تحوّل الفناء من أرض خراب إلى جُنَينة تُعَدّ تحفة في الجنائن، قام بذلك كله التلاميذ متعاونين.
وكنت أبقى في المدرسة النهار كله لأن وقت الدراسة كان قبل الظهر وبعده، يذهب التلاميذ للغداء والصلاة ويرجعون. وكنت أحمل غدائي معي، وما غدائي؟ قارورة صغيرة فيها زيت وأخرى فيها زعتر، وطبق صغير من أطباق أكواب الشاي وآخر مثله، أضع الزيت في واحد والزعتر (١) في الثاني، وعندي موقد (كاز) صغير وإبريق للشاي، فيكون غدائي خبزاً عليه الزيت وفوقه الزعتر، فإذا فرغت قلبت الصحن على أخيه ووضعتهما في علبة إلى الغد.
وكان يزورني ساعة الظهر بعض الجيران أو ناس من السكان، وربما جاءني بعض المشايخ من علماء دمشق أو بعض إخواننا فيها، فأطعمتُهم ممّا آكل. وقد علّمونا ألاّ نبخل بموجود
(١) وقد يُدعى الصّعتر بالصاد، وهو معروف من القديم.