للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحياء دمشق. ومن برزة يبدأ وادٍ صغير مُقفِر (أو كان يومئذٍ مقفراً) إلى مَعْرَبا، وهي قرية تقع على الوجه الآخر لجبل قاسيون، ومنها إلى «التلّ»، وهي قرية كبيرة، أو بلدة صغيرة، وأهلها كلهم من البنّائين المَهَرة، وهم الذين بنوا بأيديهم مدينة الرياض في مطلع نهضتها العمرانية من نحو ثلاثين سنة أو أقلّ. ثم تمشي في وادٍ أخضر فيه الشجر والماء إلى منين، وعين منين من أجمل العيون: ينبوع صافٍ غزير حوله بِركة واسعة:

يَرُوعُ حصاهُ حاليةَ العَذارى ... فتلمَسُ جانبَ العِقدِ النّظيمِ

أي أن الفتاة ترى الحصى في الماء كاللآلئ فتحسب أنها حبات عقدها، فتلمسه لتتحقق من أنها لم تنفرط. وما رأيت في عمري نبعاً أصفى ماء وأجمل حصى من ماء عين منين وحصاها، وكم لي فيها من ذكريات، ولكنّا حُرمنا منها كما حُرمنا من العين الخضراء ومن كل المتنزَّهات لأن الخمر دخلتها فخرجنا نحن منها. وهذه المتنزَّهات للناس جميعاً، فإن لم تتبع شرع الله وتحرّم ما حرمه (وذلك حقّ الله على كل مسلم) فإن الديمقراطية هي (عندهم) حكم الشعب، والذين يشربون الخمر من الشعب لا يجاوزون بضعة أفراد في الألف، أفمن أجل بضعة أفراد من العُصاة نَحرم بقيّة الألف من الطائعين الاستمتاعَ بجمال بلادهم؟

* * *

كان الطريق المعبَّد ينتهي عند منين، فمن أراد الوصول إلى حلبون مشى على غير طريق. يصعد جبلاً ويهبط وادياً، يسلك سهلاً ووعراً. وكان الوصول إلى حلبون من جهة الوادي أسهل

<<  <  ج: ص:  >  >>