للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتركتُه ولحقت بالشيخ ومعه معلّمو مدرسته وتلاميذه، فاجتمع نحو أربعمئة من التلاميذ، فأكلوا وشربوا، وكانت خطب وكانت لعب. ثم حضر ثلاثة من رجال الدرَك على الخيول فصاحوا بنا ليهوّلوا علينا: اسمعوا، ممنوع بقاؤكم هنا، يجب أن تنصرفوا حالاً.

ظنّوا أن هذا يخيفنا، ولكنا ما خفنا، بل دعوناهم ليقعدوا معنا ويأكلوا من زادنا ويشربوا من شاينا، فأخذ كبيرهم وضع الجدّ، وكان رقيباً كبير السن، وقال: يا أفندي هذه أوامر الحكومة، ونحن قد جئنا لتنفيذها لا لنأكل ونشرب ونلهو ونلعب. قلت: على كيفكم، اعملوا ما يجب عليكم، أمسكوا الأولاد وأرجعوهم أنتم لأننا لا نريد الرجوع الآن.

فصرخ: يا أولاد، هنا، اصطفّوا. فما ردّ عليه أحد، فأمسك بواحد وقال له: قف هنا لا تغادر هذا المكان. وولاّه ظهره ليأتي بغيره فهرب، وحسبها الأولاد «لعبة يعيش»، وهي لعبة كانت معروفة ينقسم فيها اللاعبون إلى قلّة تمثل دور الشرطة وكثرة تقوم بدور المتظاهرين، وكلما أمسكت الشرطة بواحد أي قتلته (بالرمز لا في الحقيقة) جاء أحد رفاقه فلمسه فيعيش، فكأن مهمة الشرطة في اللعبة الإمساك بالآخرين ومنع رفاقهم من الاقتراب.

وبلغت النشوة والفرحة بالتلاميذ أقصى مداها حين رأوا أنهم يلعبون مع عسكر حقيقيين لا مع عسكر ممثّلين، وعلَت ضحكاتهم وارتفع هتافهم، ورجال الدرك المساكين قد كلّت أرجلهم من السعي وألسنتهم من الشتم، لا سيما الكهل رئيسهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>